
الوسم: المستمع والمفهوم
-
العلم والعقل
إن الإسلام دين علم وعقل قبل كل شيء؛ فهو قبل أن يكلف أتباعه تحصيل أي غرض من أغراض الدنيا يكلفهم بأن يكونوا عقلاء صحيحي الفهم، ثاقبي الفكر، جيدي البصيرة،
يتدبرون الأمور قبل الشروع فيها، ويقلبون وجوه الرأي في مواردها ومصادرها، ومباديها ومصايرها؛ فلا تقع إلا على مقتضى الحق والعدل والمصلحة والواجب؛
كما يكلفهم أن يكونوا علماء عارفين بأسباب المصالح، وطرق المنافع، واقفين على الحقائق الكونية،
ملمين بتفاصيل التجارب العملية التي اهتدى إليها البشر في سابق أدوارهم، ومختلف أطوارهم مما يتعلق بتصحيح العقائد والعبادات،
وتقويم الأخلاق والملكات، وإتقان أمر المعايش والمعاملات، وترقية شأن الصناعات والتجارات، وتحسين سائر مقومات الحياة.
فالقرآن لما دعا الناس إلى الإسلام، وكلفهم قبول تعليمه وهدايته كان يقيم العقل حكماً بينه وبينهم،
ويعجب من انصرافهم عنه، وإهمالهم له، وترك الاستضاءة بنوره؛ فكان يقول وهو يحاجهم: [ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ].
[فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ].
[إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ].
[عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ].
[إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ].
و(الأبصار والألباب): العقول، وقد تكرر(أفلا تعقلون) في القرآن بضع عشرة مرة في صدد التوبيخ والتعجيب.وكفى بهذا مزية ومنقبة للعقل مذ جُعِل للدين أصلاً، ولمصالح الدنيا عماداً.
وإنما حرم الخمر في الإسلام؛ خشية أن يسطو على العقل، فيفسده، أو يضعفه.
والعقل مِلاك سعادة الإنسان، وقوام حياته.
أما العلم فالقرآن رفع من شأنه ونوَّه بمنزلته بما لم يسبقه إليه سابق من الكتب السماوية، فقد قال _ تعالى _:[ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ]
بل إذا تدبرنا أول آيات القرآن نزولاً وجدناها تحض على العلم،وترفع من مكانة العلم، وهي قوله _ تعالى _:
[ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)].
[ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ].
فقد نوَّه في الآيتين بشأن القلم والكتابة، والعلم والتعلم.
هذا الشأن من شؤون الحياة ومصالح الدنيا هو أول ما فاجأ به القرآن البشر المخاطبين،
وأوقعه في أذهانهم؛ أفلا يكون معنى ذلك أن الإسلام دين علم، وأنه لا يرضى للمنتسبين إليه إلا العلم؟
ولا نظن أن كلمة من كلمات القرآن ـ عدا كلمة الله ـ تكررت فيه بقدر ما تكررت فيه كلمة (العلم).
فالإسلام إذاً هو (دين العلم) كما أنه (دين التوحيد).
ولما أراد الله أن يلقن نبيه “دعاء يدعو به لقنه أن يطلب في دعائه المزيد من العلم إذ قال له:[ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً].
والعلم إذا أطلق في لسان الشرع كان المراد به العلم النافع الموصل إلى سعادتي الدنيا والآخرة،
ذلك العلم الذي يتعلق بمصالح البشر مباشرة، وله الأثر البيِّن والنفع الظاهر في إتقان تلك المصالح، وإحكام أمرها، وتوثيق عراها.