❞ الهروب والمنافي، قد وجد في الكتبِ أبوابًا ونوافذ وشبابيك تحمله إلى عوالم الأدب، الحقيقية بقدر الواقع، مع أنها تبدو أكثر ترحابًا، وتزخر بتلك الدهشة العصية على النسيان التي تحملنا إليها المخيلة دائمًا كما أودّ أن أقدِّم شكرًا خاصًّا إلى مارك جمال، الذي لم يكتفِ بدور المترجم وحسب، بل إنه مُروِّج الكتاب أيضًا، وصاحب الفضل في أن يصبح وصول الكتاب إلى القرَّاء بالعربية الآن ممكنًا إنه لمن دواعي سروري أن أعمل معه، ومع الناشر الذي يضمّ هذا الكتاب إلى إصداراته الآن بكل سخاء واسمحوا لي بأن أختم حديثي باعتراف لطالما كان اختيار العناوين شيئًا كارثيًّا: ذلك أنها تتمرَّد عليَّ،
❞ وتراوغني، فألوذ بالأقوال السائرة، وألعاب الكلمات المُتوقَّعة، والعبارات المطروقة التي لا تُغتفَر. ولذا قرَّرتُ أن «أسرق» العنوان من مقالٍ نشره ألبرتو مانغيل قبل أن أضطَرّ إلى اختيار عنوان للكتاب بقليل. ومانغيل واحد من أعظم الخبراء ومُروِّجي المكتبات والقراءات. جاء المقال تحديدًا بعنوان: «أن تلمس الكتب». فتراءى لي في غاية الملاءمة والتوفيق والكمال من الأوجه كلها، حتى إنني لم أتردَّد في الاستحواذ عليه.
ومنذ ذلك الحين تملَّكني هاجسٌ يحدِّثني ❝

❞ بإمكانية اكتشاف الأمر، وباحتمال أن يشير أحدهم إلى الانتحال ولكن المسألة برمّتها قد حُلَّت بطريقة ودية عندما التقيتُ ألبرتو مانغيل قبل سنوات في معرض كتاب أُقيم في المكسيك، فاعترفتُ إليه قائلًا: «لقد سرقتُ العنوان من مقالٍ لك» أما مانغيل المُتفهِّم، بلحيته البيضاء الطوباوية، ونظرته الزرقاء، وقبعته، فقال لي إن سرقة العناوين لا تمثِّل جريمة أبدًا -لا بدّ أنها تستعصي عليه هو أيضًا- وعلى كل حال، كانت الجريمة لتسقط بالتقادم بعد مضي عشرين عامًا ولذا يمكن أن نعتبر أنفسنا بمأمن من تلك الناحية على الأقل لطالما كان من الأخبار الرائعة أن يُعاد نشر العمل، وأن يلتقي الكِتابُ قراء جددًا وقراءات ❝
❞ جديدة. لا تحضرني أمنيةٌ أفضل من هذه لكتابي. ففي النهاية، وحده القارئ مُهِمٌّ بحقٍّ للكِتاب. أما القُرَّاء بالعربية، الذين أودّ أن أرحِّب بهم ترحيبًا مفعمًا بالامتنان، فعسى أن يجدوا في هذه الطبعةِ السحرَ الذي يحملنا إليه الأدبُ أحيانًا، ذلك الذي يجعلنا سعداء مرة أخرى كالأطفال. كما يُسعِدنا أن تكون لنا أسطورة، طبعًا! جزيل الشكر! ❝
ان تكتب شيء ما
❞ لم أدرِ كم كتابًا أملكُ حتى زمن قصير مضى، بل إنني لم أشعر بغواية عدِّ الكتب التي أملكها حتى زمن قصير مضى ولكني، في نوبة حادة من نوبات الأرق التي أصابَتني قبل قليل، فكَّرتُ أن عدَّ الكتب وعدَّ النعاج سيَّان، ما دام الغرض من ذلك الاستغراق في النوم ولا سيما بالنسبة إلى أبناء المدينة من أمثالي، الذين يُعتبَر عدّ النعاج شيئًا غريبًا عنهم وهكذا وقفتُ أمام رفوف الكتب كالرقيب، كالمحاسب، والوقت يكاد يكون فجرًا، ثم أجريتُ المسح الأول دفعةً واحدة دعونا نفترض أن الكتاب (المُتوسِّط) يبلغ من العرض سنتيمترَيْن ونصفًا بالتقريب تحقَّق من ذلك في البيت، ترَ أن ❝
❞ هذا القياس ينطبق على أغلب الكتب (المُتوسِّطة). وعلى الرغم من ذلك، يجدر بنا السؤال عن التكافؤ بين السنتيمتر عند الكاتب الفرنسي جورج بيريك (الذي طالما كان شديد الحذر في قياس الأشياء) وعند مُواطِنه الكاتب بورس فيان المُعذَّب، وعند بورخيس صاحب الكتابة المصقولة (الذي كلَّما وجد عبارة غير مُقنِعة لم يتساءل أي صفة يضيف إليها، بل أي ❝
التنظيم والمواظبة
❞ ما دامت الكتب تتحدَّث عن طباع أصحابها واهتماماتهم وشخصياتهم، كما قلنا من قبل، فإن الطريقة المُتَّبعة في تنظيم الكتب تشي بأمور ذات أهمية أيضًا والحقّ أن تنظيم الكتب عمليةٌ تعرقلها الكتب نفسها، لأنها تقاوم التشكيل مقاومةً هائلة على مدى زمن طويل، لم تُرصَد للكتب مواضع مُحدَّدة في البيوت، بل إنها كانت تُخزَّن في الصناديق والعلب والخزائن، إلى جوار الصحون والأكواب وملاءات الأسِرّة والبدلات… بدءًا من القرن السادس عشر فحسب، نادَت الطبقات الميسورة بأن تُفرَد مساحة مُخصَّصة للقراءة، النداءات التي كثُرَت في القرن السابع عشر وهكذا رُصِدَت حجرات للقراءة، حيث بدأ الناس يحتفظون بالكتب أيضًا، فوق الطاولات أو المكاتب ❝
❞ أولًا، طبقًا لتقاليد القرون الوسطى، ثم على الرفوف المصنوعة من الألواح المتراصة بطول الجدران.
بطريقة ما، تحتفظ الكتبُ بغريزةٍ قديمة تليق بالأدغال، وبنزعةٍ إلى التفرُّق تعترض سبيل النظام. أيأتي العنوان قبل المُؤلِّف؟ أم يأتي الموضوع قبل ❝
